احتسبوا فلم يعد لنا سلاح سوى الاحتساب

Publié le 9 Août 2016

 

عاش إقليم الرحامنة في الآونة الأخيرة على وقع ملفات كانت بمثابة مقياس لسخونة الحقل السياسوي في المنطقة، باءت كلها بفشل رموز الفساد في تمييع المشهد السياسي، ولخبطة الأوراق قبيل الاستحقاق التشريعي لشهر أكتوبر 2016، ننتقي منها ثلاث ملفات جوهرية  سنحاول كالعادة تحليلها للوقوف على العبر المستوحاة منها.

لكن، لا يمكن أن نفوت على أنفسنا الفرصة للخوض في المصيبة التي اهتزت لها البلاد بأكملها، حيث حظيت بتغطية غير مسبوقة من طرف الجرائد الوطنية والمحلية المكتوبة منها والإلكترونية، بل أصبحت متداولة على الصعيد الدولي من طرف CNN و BBC وقنوات أخرى مناوئة للمغرب خصوصا في قضية صحرائه، والمدافعة بشراسة عن أطروحة الانفصاليين، حيث ركبت على الحدث لتشويه الصورة التي أصبحت تكونها الكثير من الدول (الإفريقية بالخصوص) والتي نتج عنها رجوع المغرب إلى حظيرة المنتظم الإفريقي. ويتعلق الأمر بالفتاة خديجة السويدي التي أضرمت النار في جسدها بابن جرير، وهي فضيحة أخرى جاءت لتعري المستوى الدنيء لأولئك الذين يفترض فيهم أن يكونوا حماة للحق وصماما للأمان الاجتماعي: السلطة التنفيذية والهيئة القضائية. لقد أثرنا غير ما مرة كون المحكمة الابتدائية بابن جرير تحولت منذ تعيين الرئيس الحالي، مجرد ملحقة لعمالة إقليم الرحامنة، وسقنا قضايا كثيرة تعتريها شوائب أدت إلى مظالم متعددة، منها من تم إنصاف أصحابها تارة على صعيد محكمة الاستئناف وتارة على صعيد محكمة النقض، ومنها من تكالبت جهات كثيرة على أصحابها المستضعفين لإذلالهم وتمكين الجنات من الإفلات من العقاب.

 

خديجة السويدي: النادلة الثانية فهل سننتظر الثالثة ؟   

غريب أمر النادلتين، الأولى التي ذهبت ضحية للسلطة التنفيذية والثانية التي ذبحت على قداس السلطة القضائية. وكلتا الفتاتين لهما خلفية اجتماعية لا تحسدان عليها يتصدرها "الفقر" بجميع أصنافه متبوعا بـ "الهشاشة" الاجتماعية. وإن كانت الأولى اتهمت بقضية ابتزاز المسؤول الأول على صعيد الإقليم، فالثانية اتهمت بحكم على القيمة لكون المسؤولين القضائيين اعتبروها مواطنة دون المستوى بل من الدرجة العاشرة، تستحق كل ما تعرضت له من اختطاف، واغتصاب من طرف عصابة، وتصوير، وتهديد بنشر فيديوهات اغتصابها على مواقع التواصل الاجتماعية، وابتزاز، وكلها أعمال كان من الواجب تصنيفها جنائيا. لكن القاضي اعتبر كل هذه الأفعال مجرد جُنَح، فأمر بإخلاء سبيل العصابة بعد مضي 7 أشهر على سجن أعضائها، ربما عن قصد لطي القضية، ولا يعلم أحد إن كان ذلك على ذمة التحقيق تمت تبرئة المتهمين بعده، أو تنفيذا لحكم قضائي صدر في حقهم. وفي كلتا الحالتين، هناك قاض وجبت محاسبته إذا أردنا القطيعة مع التسيب القضائي الذي أصبح يسيء للبلاد كلها.

وقد علم الرأي العام أن النيابة العامة بابتدائية ابن جرير هي التي تضطلع بالملف الذي تم فتحه إثر إلقاء القبض من جديد على الجنات، ونرجو أن لا يتم تصنيف التهم كما سبق بالنسبة للملف الأول، كمجرد جنح، مع العلم أن القضية تتعلق بـ: تكوين عصابة، الاختطاف، الاغتصاب الجماعي، تصوير فصول عملية الاغتصاب، التهديد بنشر الفيديوهات المصورة في حال تقدم الضحية بشكاية في الموضوع، والابتزاز، وهي تُهَمٌ كافية لإدراج القضية ضمن الجنايات للضرب على الجنات بيد من حديد.  

وإذا كان همنا الأول هو محاسبة القاضي، فالهم الثاني هو مصير الأختين الأصغيرين لخديجة. وهنا نوجه السؤال الشرعي لـ: فريد شوراق عامل إقليم الرحامنة، عن التدابير التي سوف يتخذها، إن كانت له بقية من الإنسانية، لمحاربة الهشاشة التي تعيشها هذه العائلة والتي ذهبت ضحيتها فتاة في زهرة عمرها ؟ كما نسأل الحكومة "ألم يان لها أن تجعل حدا للوضعية المزرية التي يعيشها الإقليم" جراء تصرفات مسؤول متهور ؟

وبعد التعريج على هذه القضية، نرجع إلى القضايا الثلاث التي لا تقل أهمية.

 

قضية عبد الفتاح كمال

لقد تبين للرأي العام الرحماني كيف أن عبد الفتاح كمال الذي قادته عضويته بجماعة الجعافرة إلى رئاسة المجلس الإقليمي للرحامنة، دخل التجربة من النافذة بدعم من العامل فريد شوراق، ليخرج منها من الباب الواسع بفضل العدالة التي قالت كلمتها الفاصلة بقرار نهائي صادر عن محكمة النقض، ويعلم القراء مدى تلكؤ العامل لحد كتابة هذه السطور في تنفيذ قرار صادر عن أعلى سلطة قضائية في البلاد باسم جلالة الملك والقانون. ولا يسعنا إلا أن نردد مع الحكماء "اللِّي بْقَى فْعُمْرُو نْهَارْ مَاتْ" ونطمئن شوراق وكمال أن لكل أجل كتاب وأننا "مْقَصْرينْ ومْوَسْعِينْ خْوَاطَرْنَا".

والغريب في هذه القضية هو كون بعض الإعلامويين المرتزقة لا يزالون يراهنون على رجل قضى نحبه اجتماعيا وسياسيا، حيث يشككون في قرار محكمة النقض، متحدثين عن مصادر موثوقة أفادتهم بأن المحكمة تراجعت عن قرارها بعد ظهور معطيات جديدة في الملف (يا سلام على عدم المهنية حتى في الكذب !). ولن يستحيي هؤلاء الإماعييون ما دامت القضية فيها "اللعاقة".     

وأيمانا منه بأن خير دفاع هو الهجوم، سعى عبد الفتاح كمال، بإيعاز من العامل فريد شوراق، إلى الإيقاع برمزين أساسيين في أفول نجمه. أما الرمز الأول فهو المحامي ذ. عبد الصادق عبيد الذي كان له دائما بالمرصاد في الملفات المعروضة على أنظار القضاء، حيث تم تحريك ملف قديم ضده، اتضح أنه أجوف. وأما الرمز الثاني فهو مصطفى عشاق مهندس الإطاحة بـ عبد الفتاح كمال سياسيا واجتماعيا، والذي يعمل في مكتب ذ. عبد الصادق عبيد.

 

قضية مصطفى عشاق

كان الأمر بإلقاء القبض على مصطفى عشاق بمثابة الصاعقة بالنسبة للرأي العام المحلي وساكنة الجعافرة على الخصوص. والرجل عُرِفَ دائما بمواقفه الجريئة خصوصا أيام الربيع العربي ومن خلال مشاركته في العديد من التظاهرات الحقوقية.  لكن ما تميز به كان الدور الذي لعبه في الإطاحة بـ عبد الفاتح كمال،  وسعيه في إبطال العملية الانتخابية بدائرة لقسامة إثر حادثة "تكسير صندوق الاقتراع" التي ذهب ضحيتها 8 أفراد ينتمي جلهم إلى عائلة مبارك بلفصال غريم كمال، حيث قضوا شهورا عديدة في السجن. ومما زاد القضية إثارة هو موت حسن (أحد الإخوة بلفصال) الذي يشتبه في كونها عملية اغتيال تندرج في نفس السياق، لا تزال النيابة العامة لم تتوصل إلى فك رموزها، ولا يستبعد أن تتدخل الجهات التي أصبحت تدير القضاء بـ: "الرموت كنطرول" لطمس القضية، خصوصا أن جنات من عائلة عبد الفتاح كمال سبق أن أفلتوا من العقاب بعد حكم قضائي نهائي أدانهم بالقتل. ولا يسعنا إلا أن نقول للعامل ورئيس المحكمة وكل من والاهما، "إن الله يمهل ولا يهمل"، وما الصفعات التي تلقياها في قضيتي الأراضي السلالية لـ: دوار أولاد عيسى الصخيرة ودوار القريات بن الناجم ببعيدة. وقد يستغرب الكثير من القراء كون هؤلاء المسؤولين لا يستحيون، ونحيلهم على قول الله تعالى في سورة الأنفال (آية 23) "إن شر الدواب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون ولو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم ولو أسمعهم لتولوا وهم معرضون"، وقد شبههم الله في سورة الأعراف (آية 179) بالأنعام حيث قال "أولائك كالأنعام بل هم أضل أولائك هم الغافلون". والآن بعد أن أصبح عشاق ينعم بالحرية ويأكل الطعام ويمشي في الأسواق، فليكن ما يكون وليتبع القانون مجراه في محاكمته.   

 

قضية عبد الخالد البصري

نذكر القراء بما قلناه سابقا، وغير ما مرة، من كون العامل فريد شوراق يُحتفظ به على رأس إقليم الرحامنة من أجل إتمام المهمة القذرة التي أنيط بها، وهي إطباق هيمنة حزب الجرار على الإقليم، تفاديا لإنفاق التجربة، خصوصا في ابن جرير، موطنها الأصلي الذي اعتُبِر مهداً للنموذج البامي المدعوم من طرف المخزن الذي كان ينوي تعميمه على باقي التراب الوطني. لكن الله أبى إلا أن يتم نوره ولو كره الإماعييون، فجعله يُنْخَرُ من الداخل ويحمل بين طياته الجرثومة التي ستكون السبب في تدميره. والدليل أن الحزب أصبحت تساوره الشكوك في إيجاد من يمثله في الاستحقاقات التشريعية، فعمد إلى محاولة تحطيم "البعبع" الذي يُرْعِبُهُ عبد الخالد البصري، الذي كان له السبق في تقديم استقالته من الحزب ومن المجلس الحضري لابن جرير، تنديدا بما اعتبره خيانة للأمانة التي قلده إياها فؤاد عالي الهمة. ولعل الجميع يتذكر المحاولات اليائسة من طرف "البام" لإعادة استقطاب الرجل، والتي باءت كلها بالفشل.

وقد تم طبخ ملف للرجل، بتهمة لم يستسغها الرأي العام الرحماني بالخصوص، لكونه لم ولن يصدقها. والسبب هو القناعة التي كوَّنَها الرحامنة سواء الذين يعيشون في المنطقة أو خارجها، عن مدى نكران الذات من طرف عبد الخالد البصري الذي يتفانى في قضاء حوائج الناس، الشيء الذي ساهم في تقوية رصيده الاجتماعي قبل السياسي، وهو ما أصبح  يغيظ المنافقين والمرتزقة.

والطريف في القضية هو أن محكمة الاستئناف رفضت تمتيع عبد الخالد البصري بالسراح المؤقت، لتتلقى هي الأخرى صفعة رنت لها أرجاء مراكش والرحامنة، تمثلت في الأمر الذي صدر من السلطات المركزية لتمتيعه بهذا الحق، حيث انقلب إلى أهله لم يمسسه سوء، الشيء الذي لم يصدقه البعض حتى الآن.

وقبل مفارقتكم، نود أن ننهي إلى القراء أن ملف ميلود أنصير الصحراوي الذي تكالبت عليه السلطة القضائية بأمر من السلطة التنفيذية، والذي عرف تغطية صحفية على صفحات جريدة المساء الورقية، تم اتخاذ قرار بشأنه من طرف محكمة النقض التي أنصفت هذا المواطن بإرجاع الملف إلى المحكمة الابتدائية بابن جرير لإعادة النظر فيه، ناهيك عن صدور محضر الخبرة التي أنصفه كذلك رغم كون خصمه هو الذي طلبها. فطوبى لعائلة أنصير بهذا الإنصاف الذي جاء لإعادة الأمور إلى نصابها.  

وفي الختام، نقول لكل الفاسدين المفسدين، موتوا بغيظكم، لا تُشعلوا نارا إلا أطفأها الله بإذنه. ولا يسعنا أن نردد مع كعب الأحبار "نعوذ بوجه الله العظيم الذي ليس شيء أعظم منه، وبكلمات الله التامات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر، وبأسماء الله الحسنى كلها ما علمنا منها وما لم نعلم، من شر ما خلق وبرأ وذرأ" وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه.

محمد لعبادي

Rédigé par Laabadi's

Repost0
Pour être informé des derniers articles, inscrivez vous :
Commenter cet article