هل هي نفحة من حراك الريف على الرحامنة (الجزء الثاني) ؟

Publié le 2 Août 2017

شوراق...، الرحامنة...، الحسيمة: أية قراءة ؟

شوراق ...
بقدر ما كان القرار بتنقيل فريد شوراق عامل إقليم الرحامنة منتظرا، بقدر ما كانت الوجهة (الحسيمة) مستغربة من طرف فئة عريضة من الرأي العام المحلي بالخصوص. ومما زاد القضية غرابة، ما قام بالترويج له بعض المطبلين يوما أو يومين قبل الإعلان عن القرار، من كون العامل تمت ترقيته إلى درجة والي على جهة مراكش ! والطريف في هذا الطرح هو كون الكثير من أعيان الرحامنة الذين اتصلنا ببعض منهم، صدَّقوا الإشاعة إلى درجة أنهم شككوا في قصاصة وكالة المغرب العربي للأنباء. والمهم رغم كل هذا، هو أن أول تجربة فاشلة بكل المعايير للرحامنة كعمالة، قد ولت إلى غير رجعة. ولا يسعنا إلا أن نقول: الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن إن ربنا لغفور شكور.
وقد أكد كثير ممن يتوددون إلى العامل، أنه كان يفضل إعفاءه من الخدمة لكونه يعاني من مرض مزمن، زيادة على أنه تجاوز سن التقاعد. أما المبررات التي ساقها الخائضون (موالين، معادين ومنافقين) فسوف نستعرض بعضها في ما يلي:
  • من الخائضين من ذهب إلى القول بأن "كفاءة" الرجل هي التي شفعت له ليتم اختياره عاملا على إقليم الحسيمة، ولا ندري عن أية كفاءة يتكلمون ؟ فقد سبق أن تناولنا هذا الموضوع بمختلف جوانبه وأبعاده، بإسهاب على مدى ثلاث سنوات، فانتهى بنا المطاف إلى تبيان أن الكفاءة وفريد شوراق ضدان لا يجتمعان ؛
  • فئة أخرى عللت التعيين بقرب فريد شوراق من المستشار الملكي فؤاد عالي الهمة الذي كان هو من خطب وده، حسب تصريحات العامل نفسه، ليقوم باستنساخ تجربته "الناجحة !" حين كان مديرا للمركز الجهوي للاستثمار بالمنطقة الشرقية للمغرب، وتنزيلها على إقليم الرحامنة الفتي. وقد سبق أن بينا كيف أن التجربة كانت كارثية اقتصاديا واجتماعيا وبيئيا، ويكفي دليلا على ذلك إخفاق مشروع "السعيدية" رغم الموارد المالية التكميلية الهائلة التي تم ضخها دون جدوى تذكر لحد الآن، من طرف المنعش الذي يحمل المشروع. والحمد لله على كون خطاب العرش جاء ليزكي طرحنا لهذه التجربة ومثيلاتها التي سهرت على تدبيرها المراكز الجهوية للاستثمار التي تمت تعريتها من طرف العاهل ؛
  • ومنهم من كان قاسيا في قراءته للحدث، إلى حد أن أحدهم ساق قصة الرجل القروي الذي كان له ولد عاق إذا أُمِرَ ترك وإذا نُهِيَ انتهك. وفي يوم من الأيام قدِم رجال الدرك إلى الدوار ليسلموا للوالد رسالة موجهة إلى ابنه الذي كان غائبا عن القرية ساعتها، تتضمن استدعاءه إلى الخدمة العسكرية. ولما تبين الأب الموضوع من رجال الدرك، أبدى فرحته لكونه سيرتاح ولو لمدة من هذا الكائن. وما أن عاد الولد إلى البيت حتى مكنه والده من الرسالة. فما أن أنهى قراءتها حتى تفوه بالكلمة الفرنسية المعروفة لدى السفلة عموما "M"، فكان جواب أبيه وهو يضحك "دَبَ تَلْقَاهَا وَالْدَا التّْوَامْ لْهِيهْ" يعني في الخدمة العسكرية. وعلى أية حال نتمنى للسيد العامل (اللهم لا شماتة) الكثير من المتعة في الإقليم الذي تم تعيينه على رأسه. خصوصا أنه يعرف المنطقة، حيث كان ضمن الطاقم المكلف بتدبير أزمة الزلزال الذي ضرب الحسيمة في 24 فبراير 2004؛
  • قراءة أخرى لا تقل قسوة عن السابقة، تزعم أن المخزن الذي عانى الكثير مع العامل بالرحامنة، أراد أن ينتقم منه بحرمانه من التمتع بقصره الجديد بحي النخيل المراكشي، ويريه من آيات المخزن الكبرى. والتعبير الذي يردده الكثيرون ممن يرجحون هذا الطرح، هو وضع شوراق في "فُمّْ المَدْفَعْ"، إشارة إلى خطورة الوضع بالريف الذي يعرف منذ شهور هزة اجتماعية تفوق الهزة الأرضية لسنة 2004 بكثير. وحَسْبُهم في هذا الزعم كون الرجل يعاني من مرض مزمن زيادة على كونه تجاوز سن التقاعد كما سبق أن بينا. وقد يبدو هذا الطرح الأكثر احتمالا لأن الرجل أصيب إثر آخر اجتماع له يوم 20 يونيو 2017 مع الفاعلين المحليين بالرحامنة، وهو التاريخ الذي قد يكون صادف إبلاغه بوجهة تعيينه، بوعكة صحية يبدو أنها حالت دون حضوره حفل إحياء ليلة القدر وصلاة العيد بعد ذلك.

والسؤال الذي يطرح نفسه تلقائيا بعد ما قدمناه من قراءات هو: "من منهما يراد الانتقام منه فريد شوراق أم أهل الحسيمة ؟"

 

... الرحامنة ...

ما يحز في نفس المتطلع إلى الحياة بإقليم الرحامنة، منذ أزيد من سنة، تلك الرتابة التي تطبع الحياة وتُنبِئ بشيء قادم طال انتظاره. وتتميز هذه الحقبة باستئساد السلطة وإدمانها على الشطط دون تمييز بين الموالي والمعارض. ونسوق على سبيل المثال لا الحصر، رفض استلام الملف القانوني لجمعيتين حقوقيتين (المركز المغربي لحقوق الإنسان والجمعية المغربية لحقوق الإنسان)، والمداهمة السافرة  لمقهى الاستراحة من طرف قائد الملحقة الإدارية الأولى بابن جرير وأعوانه، وتنكيلهم بنادل مسكين لا حول له  ولا قوة، وتلكؤ باشوية سيدي بوعثمان وقيادة الجبيلات التي أصبحت خاضعة بموافقة العامل السابق لنفوذ البرلماني السابق "الشَّخُورْ"، في التعامل مع طلب المركز المغربي لحقوق الإنسان، قصد التحقيق في ملفات تنبئ بانتهاكات محتملة لحقوق السكان.

وتبقى المهزلة الكبرى للحقبة المذكورة، محاولة البرلماني عبد اللطيف الزعيم المعروف بـ: "مول البيض"، إضرام النار في جسده ليعطي للمناضلين الباميين درسا في التضحية بالنفس (!)، بعدما أخلى عنه العامل شوراق حسب زعمه، في قضيته ضد مجموعة المكتب الشريف للفوسفاط. والطريف في الأمر هو البيان الذي أصدره الزعيم للتراجع عن موقفه من العامل والإشادة بانجازاته بعد أن كال له الاتهام والتواطؤ مع مجمع الفوسفاط، فسبحان مبدل الأحوال.

وأدبر عامل وأقبل آخر، ولا ضير أن تبقى دار لقمان على ما كانت عليه، والسبب كما سبق أن بينا، هو قِصَرُ الذاكرة الذي عانى ولا يزال يعاني منه الرحمانيون. ولو أن أهل القبيلة كانوا يعقلون لاتخذوا العبرة من أيقونة النبل والنضال "نيلسن مانديلا" في تعامله مع الذين استعبدوا شعبا بكاملة، حيث أوصى مواطنيه بـ "أن يسمحوا شريطة أن لا ينسوا". وحبذا لو أن أبناء القبيلة تخلوا عن مبدئهم المقدس "الله يَنْصَرْ مَنْ اصْبَحْ".

وقد لا تكون الصورة كاملة إن لم نُذَكِّر بالكرم الحاتمي الذي ألم فجأة بالعامل والزعيم على السواء، حيث تكفل الأول (من ماله الخاص !) بأسرة مكونة من خمسة أبناء من ذوي الاحتياجات الخاصة وأمهم، بينما تبرع الثاني بتعويضاته كبرلماني لجمعية الرحامنة "السيادية" للخدمات الاجتماعية ، ويا ليتها لم تَزْنِ ولم تَتَصَدَّقِ. وأملنا أن يكون عمل الرجلين - كالعادة - خالصا لوجه الله (!).

... الحسيمة

مرة أخرى، إن كان تعيين فريد شوراق تكليفا، فلا نحسده ولا نغبطه عليه ، وإن كان تشريفا فنتمنى له الكثير من المتعة. وبالمناسبة نتشرف بالإدلاء بدلونا في الحراك الشعبي الذي عرفه الريف منذ ثمانية أشهر أو يزيد. فالحدث يستلزم بعض الملاحظات المتواضعة، نقوم بصياغتها على النحو التالي.

1. داء التواكل المعوي المزمن:

ليس شيء أبرع من الأمعاء في "التَّوَاكُل" (التَّوَكُّل على الغير)، ويكفي أن يقوم الإنسان محلها بعملها مرة واحدة إذا تعسرت عليه عملية الهضم، لتدخل في خمول شامل حيث يصعب بعدها تحفيزها على الاضطلاع بمهمتها ثانية. ولم نجد مثالا أدق من هذا العطل العضوي لتفسير الخمول الإداري (الإرادي) الذي يطبع تعامل المسؤولين (وزراء، مدراء، ولاة، عمال، ...) مع الأزمات الطبيعية والاجتماعية على اختلاف حجمها والمطالب التي تتبناها. وعملية التواكل تقتضي وجود "مُتَوَاكِل" - بكسر الكاف – (أيّاً كان من المسؤولين السابق ذكرهم) و"مُتَواكَل عليه" (المخزن بصفة عامة). وقد تناسلت التجارب وتشابهت على كثرتها لكن نكتفي بثلاثة منها : الهزة الأرضية للحسيمة 2004، أزمة مخيم أڭديم إيزيك 2010، والحراك الذي عاشته منطقة الريف منذ شهور. وقد استأثرت التجربتان الأوليتان باهتمام المختصين في مجال تدبير الأزمات إلى درجة أصبح معها النمط المغربي مثالا (لا يجب الاحتذاء به)، يُعتمد كحالة تُدَرَّسُ في أكثر من جامعة عبر العالم. وظاهرة التواكل هذه، تحدو بنا لطرح بعض التساؤلات المشروعة التي نوردها كما يلي :

  •  من المستفيد في نهاية المطاف ؟

 للإجابة عن هذا التساؤل، وجب علينا التوضيح على أنه زيادة على الطرفين السالف ذكرهما (المُتَوَاكِل والمُتَوَاكَل عليه)، هناك طرف ثالث هو "المواطن"، أي الحلقة الضعيفة في السلسلة، الذي يبقى في النهاية، هو الذي من المفترض ضمنيا أن يجني الثمار حلوة كانت أو مرة. والذي يؤسف له أن هذا الطرف الأخير لم يتجرع إلا العلقم في الحالات الثلاث التي تهمنا.  

ففي الأزمة الأولى كما في الثانية، لا أحد استطاع أن يأخذ البادرة ليقوم بما يمليه ضمير أي مسؤول عاين الحدث، كأن مَلَكَةَ رد الفعل الاستباقي طُمِسَت لدى الفاعلين على الصعيدين المركزي والمحلي، فأصبح الكل ينتظر التدخل الملكي، غير آبه بالتفاقم السريع للأحداث. وفي نهاية المطاف كان الخاسر هو المواطن بقطع النظر عن صفته (مواطن عادي أو عضو من القوات العمومية)، وما أحداث تفكيك مخيم أڭديم إيزيك منا ببعيدة. ولقد فوجئنا منذ أيام، في الوقت الذي تنشغل فيه غالبية المغاربة بالاصطياف،  بصدور أحكام على المدانين من الموطنين، في حين لا أحد من المسؤولين تمت محاكمته على تقصيره في أداء واجبه. فمن قَتَلَ (مدنيون) ومن قُتِلَ (أعضاء قوات عمومية) كلهم في النهاية مواطنون، لينسل من الورطة كالشعرة من العجين، كل من تسببوا في تفاقم تبعات الكارثة (سلطات محلية ومركزية)، لينعموا بعدها بالإفلات من العقاب كجزاء على ما تسببوا فيه. وفي كلتا الحالتين، إن كان الخاسر الآني هو الشعب، فـأكبر  خاسر على المدى المتوسط والبعيد هو "المؤسسة الملكية" أو "المُتَوَاكَل عليه". ولعل أنماط التظاهر والشعارات التي رفعت لأول مرة في الحسيمة وفي مدن مغربية أخرى خلال الثمانية أشهر المنصرمة خير دليل على ما نقول. لكن يبدو أن القراءة الرسمية لهذه الإرهاصات لم تكن بقدر كافي من التبصر كفيل بتجنب أزمات مثيلة في المستقبل.      

  • تآكل مفهوم "البطانة" وعواقبه ؟

لطالما دعا أئمة المساجد لبطانة الملك بالصلاح، حتى أصبح هذا النعت لصيقا بها، فإما أن تكون صالحة أو لا تكون، مع العلم أن المفهوم يحتمل الصلاح والطلاح. وتكفي المقارنة بين بطانة الراحل الحسن الثاني التي كانت تؤثثها قامات من أمثال ڭديرة، وبن سودة، وعواد، وغيرهم من جهة، وبطانة محمد السادس ممن لا مرجعية تاريخية، ولا وطنية، ولا سياسية، ولا تدبيرية لهم من جهة أخرى، للتأكد أن المغرب أحوج ما يكون إلى زعماء. ولعل الأخطاء المنسوبة، عن حق أو افتراء، إلى ما يصطلح عليه بـ: "حكومة الظل"، والتي لا يترتب عليها أي جزاء، قد ساهمت بشكل كبير في تفاقم الكثير من المشاكل التي تعيشها بلادنا، وأساءت مع كل الأسف بالدرجة الأولى إلى الدولة وعلى رأسها  المؤسسة الملكية التي لا زال المغاربة، رغم كل ذلك، متشبثين بها. ويبدو أن هذا التشبث أصبح يشكل مصدر قناعة بضرورة التدخل الملكي في أية نازلة كبيرة كانت أو صغيرة، الشيء الذي قد يساهم في تمييع  الدور التحكيمي للملك، خصوصا مع تناسل وسائل التواصل الاجتماعي التي تتيح لأي كان أن ينشر ما يشاء دون رقيب. ومما ينذر بما لا تحمد عقباه، أن يعتاد المواطن على التدخل الملكي صباح مساء، لما ينتج عن ذلك من رفع غير عقلاني محتمل لسقف مطالبه الاجتماعية الفئوية، الشيء الذي قد يؤدي إلى جعل "هبة الدولة" على المحك. ولا بأس أن ننوه هنا بما جاء على لسان العاهل في خطاب العرش من ضرورة تفعيل المبدأ الدستوري المتمثل في "ربط المسؤولية بالمحاسبة"، الشيء الذي نتمنى أن يكون قطيعة مع "الإفلات من العقاب" الذي يمثل السبب الرئيسي في التسيب والتطاول على حقوق المغاربة.

وللبدء بربى العباس، نأمل أن تتحرك الجهات المسؤولة (الديوان الملكي، رئاسة الحكومة، وزارة الداخلية، وزارة العدل، المجلس الجهوي للحسابات، ولاية مراكش آسفي والنيابة العامة بمراكش) لمعالجة الملفات التي عرضت عليها من طرف المركز المغربي لحقوق الإنسان والمتعلقة بخرق قوانين عدة (قانون الجمعيات، قانون التعمير، قانون الانتخابات، ...) من طرف العامل شوراق، استجابة لطلب الملك بربط المسؤولية بالمحاسبة، من أجل ترتيب الجزاء على كل من أخطأ متعمدا في حق هذا الوطن.

2. تمييع مفهوم "التنمية المستدامة"

  •  هل تستقيم التنمية بدون "دراسة جدوى" ؟

 من العار أن يُعَلَّلَ تعطل أو إخفاق أي مشروع بالأحرى إذا كان تنمويا، بعدم إنجاز دراسة تبين الجدوى من القيام به، خصوصا إذا تم تبنيه من طرف الملك. وإن كانت المسؤولية تتحملها في هذه الحالة بالدرجة الأولى "سلطة الوصاية" الحاملة للمشروع التي يتحتم عليها تدارس جدواه مع السلطة التي سوف تضطلع بتنفيذه وإنزاله على أرض الواقع، قبل أن يعرض على أنظار العاهل، فمن تحصيل الحاصل أن يتحمل الملك هو الآخر المسؤولية في هذه الحالة، لتتعقد الأمور ؛

  •  وهل تستقيم التنمية بدون "تخطيط" ؟

أول ما يستغرب له أي متخصص في هذا المجال، اطلع على المشروع التنموي للحسيمة الذي تتداوله وسائل الإعلام، هو الإبهام الذي يطبعه من حيث البرمجة الزمنية. فإن كان هذا المشروع جاء نتيجة للأزمة التي تسبب فيها زلزال 2004، هو نفسه البرنامج الذي سمي "الحسيمة: منارة المتوسط"، فلماذا استغرق تحضيره من 2004 إلى 2015 ؟

  •  وهل يمكن تصور التنمية بدون تتبع ولا تقييم ؟

ولو سلمنا أن الأهمية القصوى والعدد الضخم للمشاريع القطاعية، هي ما يعلل التأخر في إعداد المشروع، فمن المسؤول عن عدم التتبع (المستدام) والتقييم (المرحلي) لهذا المشروع ؟ أم كان لزاما علينا انتظار حراك الساكنة ليتبين الخلل الذي يندى له الجبين. ثم لماذا انتظرنا أزيد من 8 أشهر للتكفل بالأزمة ؟ 

3. الحنين إلى الوسائل المخزنية التقليدية:

  •  المقاربة الأمنية "المستدامة"

أول ما يلجأ إليه الحائر من أمره في جهازنا الأمني "نظرية المؤامرة" التي ترمي اللوم ضمنيا على الآخر وطنيا كان (معارضون، حقوقيون، علمانيون، إسلاميون، ...) أو أجنبيا (منظمات دولية، حكومات، أجهزة مخابراتية، ...) ممن يقلق راحة المخزن. ورغم كون مزاعم كثيرة أطال الله عمرها حتى افتضح أمرها، يبقى التأويل المؤامراتي هو الملجأ الأوتوماتيكي للمخزن. والمقلق في الأمر عدم الاكتراث بالواقع والتشبث بمزاعم يعلم الجميع أنها واهية. والغريب أن مفهوم "الاستدامة" الذي ارتبط منذ أواخر التسعينيات من القرن الماضي بالتنمية، أصبح يستعمل للدلالة على "التخلف!

  •  إغناء قاموس البلطجة

يرجع الفضل في إغناء قاموس البلطجة بمفردة جديدة: "العياشة"، إلى حراك الحسيمة. ولعل المصطلح الذي اشْتُقَّ من "العيش" الذي يكون كريما أو لا يكون بتاتا، أبلغ من ألفاظ أخرى (البلطجية، المرتزقة، ...) تداولها الناس في مجتمعات مختلفة. ولعل العامل المشترك بين هذه المصطلحات هو كونها طُوِّرَت في ظروف قاسية لمجتمعات تغلغل فيها الظلم والفساد لدرجة فقد معها الناس ما تبقى من صوابهم، فصدحوا بشعارات تزداد حدة من انتفاضة إلى التي تليها، وتنقص رقعة الولاء من أطرافها بشكل مطرد فتقلص مساحة التوافق المجتمعي بين الحاكم والمحكوم، على نحو غالبا ما يكون خطيرا على المجتمعات واستقرارها السياسي بالخصوص.

وقد جاء الحراك لمأسسة مفهوم آخر هو: "الحڭرة" الذي يبدو أنه الوحيد الذي يشفي غليل المغاربة في التعبير عن معاناتهم مع المخزن.

  •  منطق "تِسْلَمِ الأيَادِي !"

يعلم الجميع أن لسعة "النحلة" تتسع رقعتها ويزداد ألمها كلما لمسها الشخص الملسوع، ظنا منه أن ذلك سوف يخفف من معاناته، والسبب أن الشوكة التي تبقى عالقة بمكان اللسعة تطلق المزيد من السم كلما تم العبث بها. ومن أجل ذلك يوصي الطبيب دائما بعدم حك مكان اللسعة.

إنه مثال سقناه للتحذير من اللجوء إلى التطبيل والرقص و"هز البطن" من طرف "عياشة" من الفنانين (!) المغلوبين على أمرهم،  لتلميع صورة الحَاكم. وينطبق نفس المنطق على اللافتات ذات الشعارات الرنانة المادحة لأولياء الأمور، التي تقطر نفاقا ولم تعد تنطلي على أغلبية المواطنين. فالأمر شبيه بصب الزيت على النار لينفلت الوضع عن السيطرة، ويتطور إلى ما لا تحمد عقباه. 

وخلاصة القول، إن الوعي الجماعي للمغاربة تطور بشكل لا يدع المجال للشك، في حين أن الوسائل المستعملة لتطويق الأزمات الاجتماعية لم تعرف نفس الوتيرة في التطور. والذي يجب أن نستوعبه، هو أن "مشاكل الحاضر لا يمكن معالجتها بوسائل الماضي". ولا يسعنا إلا أن نردد المثل الشعبي الذي يقول "واللهُ وُمَا قْـفَلْتِي لاَ فَوَّرْتِي".

محمد لعبادي

Rédigé par Laabadi's

Publié dans #DEVELOPPEMENT DURABLEE

Repost0
Pour être informé des derniers articles, inscrivez vous :
Commenter cet article