سي محمد زاهيدي أول ساعي بريد بابن جرير

Publié le 21 Septembre 2014

رجال خدموا البلاد بدون خلفيات

" سي محمد زاهيدي ابن البلدة وأول ساعي بريد بابن جرير "

 

نتابع السلسلة التي نخصصها لمرفق البريد هذه المرة بالحديث عن مهنة لا يستقيم البريد بدونها، مهنة قديمة قدم تاريخ التواصل الاجتماعي وهي مهنة "ساعي البريد". 

مثله مثل سي مبارك مول البوسطة، هو الآخر كان يمتطي دراجة هوائية بانطلاقة آية في الأناقة معتمدا ما كنا نسميه ونفتخر به "الركبة فرانسيس". تقاسيم وجه توحي بالرصانة، مشفوعة بـ: "شنب" ضخم يخفي ابتسامة عريضة، يتبعها غالبا ضحك دون القهقهة. أنيق حتى في انفعاله، ذاك هو سي محمد زاهيدي أو ولد سيدي حميد العزوزي بالنسبة لكبار القوم.

 

بعد أن أتم سي محمد زاهيدي دراسته الابتدائية، بدأ حياته المهنية سنة 1951 كمكلف بخزائن القمح والسكر والخشب لدى الحاج كبور الشعيبي، زوج خالته. وفي سنة 1952 التحق بدار القائد العيادي حيث كان يشرف على مخدع الهاتف، في وقت كان فيه المغرب على صفيح ساخن نظرا للأحداث التي كانت تعيشها البلاد، الشيء الذي اضطر معه  سي محمد زاهيدي إلى وصل ليله بنهاره جراء كثرة العمل الذي كانت تقتضيه تلك المرحلة من تاريخ المغرب. وقد طلب منه الخليفة أحمد العيادي أن يسكن بمقر عمله، فكان يتناول وجباته وينام مع محمد وعبد الحق برادة وهما من أبناء الحاج عبد القادر برادة الذي كان من مستشاري القائد العيادي في شؤون التعمير، واللباس، وأمور أخرى عديدة متعلقة بالبروتوكول. وقد توطدت هذه العلاقة جراء زواج عبد الله العيادي أحد أبناء القائد المذللين بإحدى بنات الحاج عبد القادر برادة، ولا زال الزوجان يعيشان إلى الآن بمدينة مراكش. وللإشارة فقد كان محمد وعبد الحق برادة يديران متجرا متخصصا في الملابس العصرية الجاهزة، والأحذية وبعض المواد الغذائية الناذرة والباهظة الثمن آنذاك، حيث كان من زبنائه أمريكيو القاعدة الجوية آنذاك. ونظرا لاشتغال أبناء برادة منذ الصباح الباكر، كان سي محمد زاهيدي يتناول وجبات النهار مع الفقيه سي عباس الموفق الذي كان يشتغل كاتبا لدى الخليفة الحسين الأخ الأصغر للقائد العيادي من أمه، ثم لدى ابنه الخليفة أحمد العيادي من بعده، والذي أتم حياته كموظف بمكتب الحالة المدنية، رحم الله الجميع. والغريب في الأمر أن الرجل، قبل أن يلتحق بصفة نهائية ألى العمل بإدارة البريد، كان يعمل بالتناوب:

  • من الساعة 8 صباحا إلى 12، و من الساعة 2 والنصف بعد الزوال إلى 6 والنصف مساءَ بدار القائد العيادي؛
  • من الساعة 12 زوالا إلى 2 بعد الزوال، ومن 6 والنصف مساءً إلى 9 ليلا بمكتب البريد.

و بعد نفي الملك محمد الخامس سنة 1953، وتنحية القائد العيادي استغنى الخليفة أحمد العيادي عن خدمات سي محمد زاهيدي. ولحسن حظ الرجل تزامن ذلك مع تعيينه بصفة رسمية في نفس السنة من طرف إدارة البريد والتلغراف والتلفون، كساعي للبريد.

 

ومن الطرائف التي رواها لنا أحد أصدقاء سي محمد زاهيدي الذي كان يتميز بالدقة والتأني والصدق في عمله، أن حسن بلحودي الذي كان مديرا لمكتب البريد، كلف أحد أعوانه في غياب سي محمد زاهيدي الذي كان في عطلة، بتوزيع الرسائل على الدواوير المكونة للقرية آنذاك، فما كان من العون إلا أن امتثل لأوامر المدير، لكنه ما هم بالعودة إلى المكتب حتى وجد مجموعة من السكان جاءوا يشتكون  من العشوائية في توزيع البريد. ولما واجهه المدير بالتوبيخ انتظر إلى أن سكت الغضب عن هذا الأخير فتوجه إليه سائلا : "إو كيف جيتك أسي حسن؟".

  

وقد روى لنا سي محمد زاهيدي قصة حادث كان ضحية له، حينما ألقى بعض المحسوبين على ما كان يسمى "الفدائيين" رسالة تهديد في سيارة الخليفة أحمد العيادي. إثر ذلك أمر المراقب المدني الفرنسي "Bonamy"  الذي عمل بالجيش الفرنسي برتبة رقيب "Sergent"، ببحث في الحادث لإيجاد الكناش الذي نزعت منه الورقة التي كتب عليها التهديد. وذات يوم حينما كان سي محمد زاهيدي جالسا عند العيادي بن عبد الرحمان بلعطار في ورشة هذا الأخير لإصلاح الإطارت المطاطية، فوجئ بزيارة للمراقب المدني مصحوبا بعضوين من القوات المساعدة، فطلب من أحدهما أن يبحث عن الكناش السابق الذكر، الشيء الذي لم يكلف هذا الأخير أي عناء لكون الكناش كان أمام عينيه، فسارع بمقاربة رسالة التهديد التي تبين أنها فعلا من ذات الكناش. ساعتها توجه  " Bonamy " ألى سي محمد زاهيدي ليسأله عن سر وجوده بالورشة، فأجابه هذا الأخير أنه يتردد عليها لإضاعة الوقت. فما كان من المراقب المدني إلا أن طلب منه مرافقته إلى مكتبه. وهكذا ألقي القبض عليه مع صاحب الورشة وفاتح ولد سالم الذي كان يقطن بدوار "جلود لاڭار". ولما يئس المسئول الفرنسي من استنطاق المتهمين الثلاثة، قام بتحويلهم إلى مراكش حيث مورست عليهم، لمدة أسبوع،  أنواع من التعذيب قبل الإفراج عنهم.

 

وقد استمر سي محمد زاهيدي في عمله بابن جرير لمدة 22 سنة، حيث تم نقله إلى الدار البيضاء سنة 1975 التي قضى بها 10 سنوات، ليتم تعيينه سنة 1985 مديرا لمكتب البريد "مهاجر" بإقليم الناضور الذي مكث فيه إلى أن تمت إحالته على التقاعد.

 

وقد تدرج سي محمد زاهيدي السلالم الإدارية من رتبة عون استغلال سنة 1978، إلى رتبة الإشراف الإداري الممتاز. كما حصل على وسام الاستحقاق من الدرجة الأولى بتنويه من الوزارة.

 

ويعيش سي محمد زاهيدي مع زوجته الأخيرة، بعيدا عن أبنائه الذين يقطعون طريقهم في الحياة كل حسب وجهته، بابن جرير في نأي عن الكلام، ويقضي يومه ماشيا بتؤدة بين منزله ومسجد الراضي ومقهى الحاج قدور الذي يعني له الكثير، مرتشفا قهوته المفضلة "نص نص"، ومتصفحا الجرائد اليومية، في انتظار من قد يزوره من القدامى. حفظ الله سي محمد زاهيدي وأطال في عمره وحباه بموفور الصحة، وأقر عينه بأولاده، وجازاه عن سكان ابن جرير خير الجزاء.

إعداد : محمد لعبادي

في ماذا يا ترى يفكر ؟

في ماذا يا ترى يفكر ؟

وجل أثقلت كاهلخ السنين

وجل أثقلت كاهلخ السنين

Rédigé par Laabadi's

Publié dans #HISTOIRE RECENTE_BEN GUERIR

Repost0
Pour être informé des derniers articles, inscrivez vous :
Commenter cet article