رجال خدموا البلاد بدون خلفيات

Publié le 29 Septembre 2014

" مدراء البريد الأوائل "

نتابع السلسلة التي نخصصها لمرفق البريد هذه المرة بالحديث عن المدراء الأوائل أو ما يسمى بـ: "Les Receveurs Pionniers" ، الذين تعاقبوا على مكتب البريد بابن جرير منذ 1948 إلى نهاية السبعينيات.

عبد الله الرڭراڭي هو أول مدير دشن مكتب البريد بقرية ابن جرير سنة 1948، وهو من أصل يهودي من مدينة الصويرة الشيء الذي كان يعرفه معظم سكان ابن جرير آنذاك، لكن أغلبيتهم لم يكونوا يعلمون أن الرجل أسلم، قبل مجيئه لابن جرير، على يد قاض اسمه بن خضرة. ويحكى أن صلة الوصل بينه وبين أبيه الذي بقي على دينه وكان يعيش في مدينة مراكش، لم يكن سوى سي مبارك الجابري (مول البوسطة) الذي كان يتنقل خصيصا لتسليمه مبالغ مالية من طرف ابنه. وكان لـ: عبد الله الرڭراڭي ولدان، الأول من زواج سابق، عبد الهادي الرڭراڭي الذي تقلد في يوم من الأيام منصب مدير الإذاعة والتلفزة المغربية، والثاني من زواجه من إحدى حسناوات ابن جرير واسمه مصطفى الرڭراڭي.

وقد عرف هذا الرجل نهاية مأساوية، حين نُقـِّل إلى قرية بيوڭرة بناحية أڭادير سنة 1953، بعد نفي الملك محمد الخامس، وكانت قيادات المقاومة طالبت المغاربة بالعدول عن ذبح أضحية العيد. لكن الرجل لم يمتثل لهذا الطلب، وقام بذبح أضحيته فـَفـُعِل به ما فـَعَل بها، لتـُرَحَّل أرملته وابنه الأصغر ألى ابن جرير.

"جورج ريبيار" (George Ribière) هو المدير الفرنسي الوحيد الذي تقلد هذا المنصب، وكانت زوجته هي الأخرى موظفة بنفس المكتب بصفتها عون استغلال. وكان "جورج ريبيار" قبل تعيينه في هذا المنصب يعمل ضابط صف بالجيش الفرنسي.

ومن غرائب الصدف أن هذه الفترة من تاريخ ابن جرير، عرفت تعيين زوجين فرنسيين آخرين هما السيد والسيدة "ريڨيار" (Mr et Mme Rivière)، الزوج كمدير لأول مدرسة ابتدائية رسمية بابن جرير والزوجة كمُدَرِّسَة بنفس المدرسة. وقد يتصور القارئ الخلط المحتمل بين العائلتين، من طرف ساكنة ضاربة في الأمية والجهل، إذ الفرق بين حرفي "B" و"V" يتعسر خصوصا أن الحرف الثاني لا مرجعية له في لغة الضاد!

محمد الجبالي الذي لم يكن سوى عون استغلال، لكن كفاءة الرجل كانت تشفع له، حيث كان من المسئولين المتفوقين في عملهم. لكن مدة تكليفه لم تدم ألا بضع شهور.

مجيد شنطيط الذي كانت له مؤهلات هائلة للتأقلم، حيث تم زرعه في جسد ابن جرير بدون أي مشكل. ولعل السبب هو كونه ابن الحاج المختار شنطيط أحد أكبر الفلاحين بحوز مراكش. رجل ضخم، بابتسامة لا تبرح محياه وسلاسة في الحوار تضفي على هذا المخلوق هيبة شبه طفولية.

ولقد كانت السنتات اللتان قضاهما سي مجيد شنطيط بين ظهران ساكنة ابن جرير، أخر عهد إطار المدراء الممتهنين، لتـُدَشَّن فترة ما سمي بـعهد(Les Réservistes) أي "الاحتياطيين"، والذي دام ردحا من الزمان غير يسير.

عبد الكريم المُخّ ذو الأصل الصويري، الذي اشتهر بأناقته، وعزوبيته، وشنبه الضخم المزركش، وانعزاله شبه المستدام. لقد كان "روبوتا" متنقلا، يقطع المسافة التي تفصل بين مكتب البريد ومقهى الأطلس لصاحبه "طاسو زافيريو" الإغريقي، مرتشفا سيجارته ومنتصبا كأنه يمشي على الصراط. ويشهد أغلب الذين عرفوه ورافقوه في مراكش، بكونه يعاني من شبه انفصام في الشخصية يجعله منغلقا في القرية، منفتحا في المدينة.
أحمد القرطبي مثل بكل المقاييس، الحالة الشاذة إيجابيا، التي تبرر القاعدة. ولم يتأخر الجزاء كثيرا، حيث تمت ترقية الرجل إلى رتبة مفتش (سلم 21) فعين مكلفا بميزانية المندوبية الأقليمية بأڭادير.
التهامي السرحاني من أصل حداوي، صاحب نخوة، كان يملأ مكانه ومهمته بقوة. وكانت معارفه من علياء القوم، يمشي في خيلاء. أما شخصيته فكانت تجثم على أنداده، دون أي عناء منه.
حسن بلحودي رجل أكثر من عادي، رب لعائلة متوسطة، قصير القامة، بادي البطن، بشنب مصفر من كثرة التدخين، وثياب متناثرة، وقلم لا يكاد يغادر الأذن اليمنى. هذه هي الصورة التي نحتفظ بها لهذا الرجل الذي كان يغلب عليه طابع السخرية.
حسن بن منصور المزابي الأصل، يخيل لمن يراه أول مرة بقامته القصيرة أنه اسباني الأصل، خصوصا أنه كان يتقن لغة الأسبان، لكونه كان على علاقة بفتاة أيبيرية. "عروبي" قح لما ينطق بالدارجة، وأوروبي لما يتكلم لغة "دون كيشوط". والمضحك أنه كان يرافق السيد محمد حومية الذي كان مديرا لفرع المكتب الوطني للكهرباء، والذي كان يتمتع بقامة تقارب المترين، فكنا نمزح بقولنا أن: بن صالح + حومية ÷ 2 = مغربي متوسط القامة.

هذه هي النخبة التي تربعت تباعا على كرسي مديرية مكتب البريد بابن جرير في أول عهده، ونسأل الله أن يرحم الموتى ويبارك في عمر الباقين.

إعداد : محمد لعبادي