(8) الصناعة التقليدية في منطقة الرحامنة

Publié le 24 Octobre 2009

العوامل التي تحول دون تطور القطاع

 

تطرقنا في المقالات السبع السابقة، إلى الخصائص المميزة لشريحة الصناع التقليديين و رأينا كيف أن الفقر و الجهل ينهكان جسد الصانع، على مرأى و مسمع من سلطات الوصاية التي تبدو كأنما لو كانت هي نفسها مغلوبة على أمرها. و لاكتمال الصورة نعرض في هذا المقال إلى العوامل التي تحول دون تطور القطاع، لا فحسب على الصعيد المحلي، بل حتى على الصعيد الوطني. و عزاء الجبناء من أمثالنا يبقى هو

"إذا عَمَّت هانت"

 

الإكـراهات و المعيقات

أول الإكراهات التي بدأت تعيق تطور الصناعة التقليدية بالنطقة يتعلق بـ "الولوجية إلى الموارد الطبيعية". و من هذه الأخيرة ما يُعـْتـَبَر كمادة أولية تدخل في تركيبة المنتجات مثل الدوم و القصب و "الرافيا" و كلها مواد نباتية أصبحت ناذرة بفعل الجفاف المستمر، و التربة المستعملة في صناعة الفخار التي ترتفع تكلفتها مع تباعد المقالع بعد استنزاف تلك التي كانت تحيط بالدوار. و منها ما يُسْتـَعـْمَلُ كمادة تدخل في تصنيع بعض المنتجات مثل التربة المستعملة في تفريغ "الأليمنيوم" في قوالب لصنع الأواني الفنية أو النفعية، و هي تربة يتم جلها من مدينة آسفي

و ثاني إكراه يعيق تطور القطاع هو التسويق الذي يعتبر بمثابة العائق الأخطر لكونه يساهم في إفقار الصانع و إذلاله، و يؤدي في غالب الأحيان إلى إقصائه. و لعل الرسم الذي يلي يعطي فكرة عن العدد الكبير للوسطاء الطفيليين الذين يغتنون على حساب المنتج و المستهلك على السواء

 

 

إذا تدبرنا هذا الرسم سنلاحظ أن المنتج و هو الصانع التقليدي قد يبيع منتجه بـ 10 وحدة نقدية،  قد تكون الدرهم أو الولار أو الأورو (ث ب =10)، ليقتنيه المستهلك في دولة أخرى مثلا، بـ 300 وحدة (ث ش = 300). و إذا ما اعتبرنا بأن النقل و المصاريف الأخرى لعرض المنتج في السوق قد تبلغ 30 مثلا، فأين تذهب 260 الباقية ؟ إلى جيوب أناس لا يزيدون المنتج أية قيمة مضافة، و قد يسهمون في عزوف المستهلك، زيادة على المساهمة في إفقار الصانع المسكين

و للتذكير، فالاستغلال المتواصل للصناع التقليديين هو الذي كان وراء هجرة هؤلاء إلى المناطق القروية المحيطة بمراكش و التي ينحدرون منها، حيث يجدون ظروفا أقل كلفة، لكنها ليست أقل عناء. فكلما تجمع لدى الصانع مجموعة من المنتجات، يذهب بها إلى مراكش، ليدعها و يرجع خاوي الوفاض لأن صاحب "البزار" أو المتجر يخيره بين إيداع منتجاته و انتظار بيعها أيا كان الوقت الذي تطلبه ذلك، و بين أخذ بضاعته. و قد يزور الصانع هذا الوسيط 4 أو 5 مرات، يتحمل في كل مرة مصاريف التنقل، قبل أن يعطيه صاحب البزار أو المتجر، قسطا مما هو مدين له به. وبين الزيارة الأولى و الرابعة أو الخامسة، يكون الصانع قد خسر جزءا من رأس ماله. و نظرا لوفرة العرض و ندرة الطلب الذي ينتج عن هذه الوضعية، يجد الصناع أنفسهم مقحمين في حرب تنافسية ينتج عنها تدهور في الأثمنة، يكون أول خاسر فيه هو الصانع. و السبب هو كثرة الوسطاء الذين يغتنون لا فحسب على حساب الصانع (المنتج)، بل على حساب المستهلك الذي يؤدي ثمنا باهظا لاقتناء المنتج. و هذا ما يفسر مفهوم "التجارة العادلة" الذي اُحدث خصيصا لمحاربة هذا الاستغلال الممنهج، الذي ينهك جسد الصناعة التقليدية المغربية، المفهوم الذي سنعرضه بتفصيل حينما نخوض في الإستراتيجية التي سنقترحها، مساهمة منا في النهوض بصناعتنا التقليدية المحلية بالخصوص، دفاعا عن حق الصانع المبدع في العيش الكريم

 

 

و من أهم المعيقات ما يتعلق بالظروف التي يمارس فيها الصانع التقليدي أعماله.  و نلخصها في الظروف السيئة لتنظيم ورشات العمل، التجهيزات و أدوات العمل البدائية، غياب أبسط شروط الأمان و النظافة، و غياب التغطية الصحية مما يجعل الصانع و أسرته في غير مأمن من كثير من المخاطر

 

 

الاحتياجات و التطلعات

من الاحتياجات الملحة التي عبر عنها الصناع أنفسهم، حاجتهم إلى التمويل و التكوين. فبالنسبة للتمويل، فرغم توقيع اتفاقية مع "التجاري وفابنك" و "البنك الشعبي"، في إطار الإستراتيجية المعتمدة من طرف الدولة في أفق 2015، و التي كان من المفترض أن يتم بموجبها إعفاء الصناع التقليديين من السجل التجاري و الاكتفاء بالبطاقة المهنية لإثبات هويتهم، فبقدر ما عبر البنك الأول عن حسن نيته، بقدر ما تنكر البنك الثاني الذي يعتبر شريك الصناع التقليديين التاريخي، للاتفاقية. و لا من حرك ساكنا لإرجاع الأمور إلى نصابها. أما بالنسبة للتكوين فمن الاحتياجات ما يهم الجانب التقني و منها ما يهم شؤون التدبير. و سنشرع ابتداء من المقال المقبل، في بسط الإستراتيجية التي من شأنها أن تؤدي إلى النهوض بالقطاع

 

محمد لعبادي

Rédigé par Laabadi's

Publié dans #ETUDES

Repost0
Pour être informé des derniers articles, inscrivez vous :
Commenter cet article