(6) الصناعة التقليدية في منطقة الرحامنة ؟

Publié le 8 Octobre 2009

الخلل رقم 5 (الشطر الثاني) : جهل الهوية

 

مشكل الهوية لدى الصانع التقليدي الرحماني بل المغربي

 

إذا كانت الصفة المهنية بالنسبة للتجار تقتضي التقييد في السجل التجاري، فهل ينطبق هذا على الصانع التقليدي ؟ و إن لم يكن كذلك، فما هي الوسيلة التي يثبت بواسطتها هذا الصانع هويته المهنية ؟ سؤالان يطرحان إشكالية يتخبط فيها القطاع منذ الأزل، لم تجد بعد طريقها إلى الحل، هي إشكالية الهوية. من المهازل التي وقفت مشدوها حيالها لما تصفحت لائحة أعضاء المكتب الجديد لغرفة الصناعة التقليدية لجهة مراكش، تصنيف "الفرارني" و "مستغل حمام" كصانعين تقليديين ! فقلت لنفسي، بما أن الأمور بهذه البساطة كان حريا بنا أن نعطي هذه الصفة لـ "الكسال"، و قد يكون أولى بها. تذكرت ساعتها الوضعية التي كان يعيشها التكوين المهني قبل الثمانينات من القرن العشرين، لما كان يعتبر مزبلة يلقى فيها بحثالة المدارس من الأطفال الذين يـُرْفـَضون غالبا لسلوكهم المشين. فخيل إلي كأنما أسْقِطـَت التجربة على قطاع الصناعة التقليدية، بحيث كلما عجزنا عن تصنيف فئة من الفاعلين الاقتصاديين، نحيلها على هذا القطاع المسكين الذي تـَحَـمَّـل الكثير لدرجة اختلط معها الفرارني و مستغل الحمام و الحلاق و المكانيكي تحت يافطة الصناعة التقليدية الخدماتية، مع "اللباط" و الزواق على الخشب و النقاش و الصياغ تحت يافطة الصناعة التقليدية الإنتاجية و الفنية. و شتان بين الصنف الأول الذي يكاد يفتقر إلى القيمة المضافة و الصنف الثاني الذي يتميز بقيمة مضافة يعجز المهتمون عن تقديرها نظرا لجمالية منتجاته و حمولتها الثقافية التي تساهم في تسويق الهوية المغربية. و لما قمت بعملية إحصائية لاحظت بأن عدد الصناع المنتمين إلى الصنف الخدماتي الذي يبلغ 18 مقابل 23 للصنف الثاني، من أصل 41 أي 43,91%، نقول بأن الصنف الأول لا يبعد عن نصف أعضاء المجلس، مع العلم على أن هذا الصنف ليس معنيا بالإستراتيجية المنبثقة عن "رؤية 2015". هكذا يبدو كأن المشرع الذي يحدد عدد المقاعد لكل صنف، لا يفرق بين ما هو استراتيجي و ما هو دون ذلك، و لو كان يفعل لفرض ثلاثة أرباع (4/3) المقاعد للصنف الإنتاجي الفني الذي تراهن عليه أمة بأكملها لارتباطه الوثيق بقطاع السياحة الذي يحظى هو الآخر بإجماع حول أهميته في المسلسل التنموي، لتخصص الربع (4/1) الأخير من المقاعد للصنف الثاني الذي يجب على أية حال أن يكون ممثلا في الغرفة المهنية

و بالرجوع إلى الوسيلة التي تـُمَكـِّنُ الصانع التقليدي من إثبات هويته، نجد إن السلطة الوصية مع الهيئات التمثيلية لهذه الفئة من الفاعلين الاقتصاديين، أنشأت "بطاقة الصانع التقليدي"، فما هي المعايير التي تعتمد في تسليمها ؟ هل تؤدي نفس المهمة المنوطة بالسجل التجاري ؟  و ما قيمتها يا ترى ؟

 

مسطرة الحصول على بطاقة الصانع التقليدي

 

لما كان التنظيم الحرفي يرتكز على الأمين كأول سلطة تقديرية، و المحتسب كسلطة تقديرية ثانية للفصل نهائيا في كل ما يتعلق بحرفة من الحرف، كان الشرط الأول لتسليم البطاقة هو الكفاءة المهنية لصاحب الطلب، الشيء الذي يقتضي في غالب الأحيان إخضاع هذا الأخير إلى امتحان تجريبي لإثبات، إن لم تكن كفاءته فعلى الأقل مؤهلاته، لامتهان الحرفة. و كان الأمين غالبا ما يستعين بمعلم أو اثنين مشهود بخبرتهما في الميدان، لإضفاء مشروعية أكثر على القرار الذي يتخذه بتسليم البطاقة أو عدم تسليمها. في هذه الأزمنة التي بدأت تبدو غابرة، كانت المهن محصنة بحيث يستحيل تسرب أي متطفل على الميدان. و كان من المنتظر مع ظهور الغرف المهنية أن تتطور المسطرة إلى الأحسن لولا الحسابات السياسوية التي تدخلت لنسف التنظيم الحرفي المعتمد على الأمانة و الحسبة، الذي كان رغم بساطته عادلا

و قد اضطلعت الوزارة الوصية، في مرحلة تاريخية ثانية، بمهمة السهر على تسليم البطاقة. لكن مندوبيات الوزارة كانت تعتمد في عملها على معاينتها للصانع في مكان عمله لتتحقق من مزاولته الفعلية لحرفته، دون اكتراث بالكفاءة. و لما تتعذر عليها المعاينة، كانت تطلب من صاحب الطلب بموافاتها بشهادة مسلمة من السلطة المحلية تثبت أن المعني بالأمر يمارس الحرفة التي من أجلها يطلب بطاقة الصانع. و لا أخفيكم ما أصبح مصير القطاع منذ أن بدأت وزارة الداخلية تتدخل لتضفي المشروعية على امتهان شخص مَّا لحرفة مَّا، في عملية أصبح فيها المقدم و القائد يقومان مقام الأمين و المحتسب. و من نتائج هذه المقاربة أن أحدا من أعوان السلطة في ابن جرير، استقال من منصبه ليمتهن حرفة "دراز" مثله في هذا مثل المعلمين الذين تدرجوا في الحرفة لأكثر من عقدين أو ثلاث عقود. و المؤكد أن مثل هذه الخروقات ما كانت لتقع لو أن النظام التقليدي كان لا يزال ساري المفعول

و جاءت المرحلة التاريخية الثالثة التي دُشـِّنـَت أيام تولي الدويري مقاليد وزارة الصناعة التقليدية، لتنزع تحت ضغط رئيس فدرالية غرف الصناعة التقليدية الاستقلالي آنذاك، مسؤولية تسليم البطاقة من الإدارة و توكلها إلى غرف الصناعة التقليدية. و كان التبرير هو تحسين دخل الغرف قصد تمكينها من أداء أفضل للمهام المنوطة بها. و من بين المستجدات كون البطاقة أصبحت مؤدى عنها بحيث يُشترط على طالبها أن يدفع مبلغ 130 درهما، 100 منها للشهادة و 30 للبطاقة، للحصول على هذه الوثيقة التي تثبت هويته. و إذا تذكرنا بأن 32,74 % من صناع الرحامنة يعيشون تحت عتبة الفقر، و أن هذه النسبة تتباين بشكل كبير حسب النوع، إذ تبلغ 89,09 % لدى النساء، فيصبح الحصول على هذه البطاقة من قبيل المستحيل، خصوصا أن تكاليف السفر إلى قلعة السراغنة يتحملها الصانع و أن صلاحية البطاقة لا تتجاوز سنتين. و هذا ما يفسر كون 89,29% من الصناع لا يحملون البطاقة المهنية، مقابل 10,72 %  فقط يحملونها. و إذا ما أضفنا 5 أشخاص انتهت صلاحية بطاقاتهم و لم يستطيعوا تجديدها، فتصبح نسبة الذين لا يتوفرون على البطاقة 92,27%. و للحديث بقية

 

محمد لعبادي

Rédigé par Laabadi's

Publié dans #ETUDES

Repost0
Pour être informé des derniers articles, inscrivez vous :
Commenter cet article