الصناعة التقليدية و السياحة في الرحامنة : أي رافدين ؟ لأية تنمية ؟

Publié le 1 Septembre 2009

قد يتساءل البعض مباشرة بعد قراءة العنوان إن كنا نمزح لما نتحدث عن الصناعة التقليدية و السياحة في منطقة الرحامنة. و قد يسلم البعض بالصناعة التقليدية لكن كيف يمكن تصور السياحة في منطقتنا الجرداء القاحلة ؟ كان هذا شعورنا قبل أن نجوب المنطقة من جنوبها إلى شمالها و من شرقها إلى غربها. و لا يمكننا إلا ان نطلب من القراء التريث قليلا لإصدار أي حكم.  

كنا قد قمنا منذ أكثر من سنة بدراسة لرصد خريطة قطاع الصناعة التقليدية بإقليم قلعة السراغنة. و نظرا للارتباط الوثيق بين هذا الميدان الاقتصادي و قطاع السياحة، حيث يُكـَمِّلُ بعضهما الآخر، قمنا بمسح لاستكشاف المؤهلات السياحية للمنطقة، فجاءت النتائج لتبهر الجميع لدرجة لا تصدق. و قد تـَمَخـَّض عن هذه الدراسة برنامج عمل طموح حسب جميع الفاعلين في الميدان التنموي لكن، لأسباب يعلمها الله و بعض الراسخين في العلم، أقبر البرنامج.

كانت حسرتنا على ما فـَرَّط فيه الأوصياء على تنمية الإقليم قد بدأت تتلاشى لولا الأحداث السياسية التي توالت على منطقة الرحامنة منذ استحقاقات 2007 التشريعية إلى غاية اانتخابات 2009 الجماعية و المهنية، خصوصا ما هَـمَّ منها الصناعة التقليدية بمناسبة انتخاب ممثلي الصناع في الغرفة المهنية. حاولنا، شأننا في ذلك شأن أي مواطن عادي، تقصي أخبار الاقتراع لمعرفة من أسعفه الحظ في هذا الاستحقاق، ففوجئنا بكون الأمور، لا فحسب لم تتغير، بل استفحلت. و لعل السؤال المباشر الذي يفرض نفسه هو كيف كانت هذه الأمور من قبل ؟ و بالتالي كيف بلغت إلى ما آلت إليه ؟ هل النخبة السياسية، خصوصا في معقل فؤاد عالي الهمة الذي جاء على حد قوله للتصدي للفساد و المفسدين، لا زالت لم تستحي بعد ؟ و يبقى السؤال الملح هو: ما موقف الرجل من كون الذين يأتمنهم على سره يكتمونه حقائق كثيرة ؟   إنه ملف أفتحه مساهمة مني في التوضيح لدفع المسؤولين إلى المكاشفة التي بدونها لا و لن تستقيم أية تنمية في منطقة كفاها ما عانت لحد الآن من فقر و هشاشة و إقصاء.  

 

تـــوطـــئة    

فريق برلماني جديد بأحلام تكاد تغازل المستحيل، و العديد من البوادر تـُنـْبـِئُ بتغيير جذري بدت ملامحه مع وفود الفريق على المنطقة، هكذا يبدو المشهد أول وهلة لمن يزور مدينة ابن جرير في الأيام الأخيرة. و رغم المظاهر، يأتي الواقع دائما ليفسد على الناس أحلامهم، حيث توالى الإحباط تلو الآخر منذ تشكيل المكتب المحلي لحزب الأصالة و المعاصرة، إلى انتخاب المجلس الإقليمي، مرورا باستحقاقات المجلس البلدي و الغرف المهنية. و لما جاءت النتائج المتعلقة بغرفة الصناعة التقليدية كان الإحباط بالنسبة لنا كبيرا و مؤلما. و لكي نقرب القارئ من الإشكاليات المتعددة التي يطرحها القطاع بصفة عامة، و في منطقة الرحامنة بصفة خاصة، وجب علينا تبسيط المفاهيم التي يرتكز عليها هذا القطاع الذي طالما شكا من التهميش و لا زال، رغم كونه موردا اقتصاديا لا تنفذ خزائنه.

الصناعة التقليدية في مفهومها الضيق تشمل " كل عمل يدوي ينتهي بمنتج إما نفعي يستعمل لغرض دنيوي ما، أو تزييني يستخدم لجماليته في أي فضاء كان (بيتأ، مكتبأ أو ورشة عمل، ...)". و يكون عمر المنتج طويلا، يتغير مداه حسب طبيعة المواد المكونة له و حسب ظروف صيانته. و يتطلب العمل كصانع تقليدي مهارات يكتسبها المتمرن اِمَّا في مؤسسة للتكوين المهني أو في الميدان. و تجدر الإشارة إلى أن الصُّـنـَّاع القدامى رغم عدم ولوجهم لأي تكوين مهني، اكتسبوا مهارات جد عالية، الشيء الذي يبرهن على أهمية التمرس الميداني. و تسمى هذه الصناعة التقليدية "إنتاجية" لأنها تفضي إلى منتج ملموس يملأ حجما في الفضاء.

و قد اتسع هذا المفهوم ليشمل صناعة تقليدية لا تفضي بالضرورة إلى منتج ملموس، بل تتمثل في خدمة ينقضي عمرها بانقضاء العمل. ويتعلق الأمر بكل المهن اليدوية التي يمارسها أصحابها، بشكل لا يمكن تصنيفها معه في منظومة الصناعات الحديثة، مثل الكهرباء (المباني، السيارات، الأجهزة)، و الإليكترونيك (الهاتف النقال و أجهزة مختلفة) و الترصيص. و تسمى هذه الصناعة التقليدية "خدماتية"، و تخضع لنفس المعايير بالنسبة للأولى من حيث التكوين و اكتساب المهارات. 

الآن و بعد تبسيط المفهومين، سنحاول تحديد أهمية كل من الصناعتين التقليديتين الإنتاجية و الخدماتية، بتحديد نقط الافتراق بينهما من حيث الحمولة الثقافية و التراثية ، و من حيث القيمة المضافة لكل منهما.

 

الحمولة الثقافية و التراثية

غير خاف على أي أحد القيمة التي تتمتع بها بعض منتجات الصناعة التقليدية الإنتاجية، لكونها تعتبر قِطـَعاُ فريدة لا يمكن استنساخها. و لمزيد من التوضيح سندرج قصة الرحلة التي فـُـِرضَت على قطعة فخارية يعود تاريخيها إلى القرن السادس الهجري، كانت معروضة بمتحف الأوداية بالرباط. و هي قصة بقدر ما تسعف في توضيح مفهوم الحمولة الثقافية و التراثية، بقدر ما تبين مدى فهم و اكتراث المغاربة بالثقافة و التراث.

في بداية عهد حكم الملك الراحل الحسن الثاني، كان قد حل بالمغرب وزير الثقافة الفرنسي آنذاك في زيارة رسمية بدعوة من نظيره المغربي، الذي حرص على أدراج زيارة المتحف المذكور في برنامج ضيفه. و لما وصل الوزير الفرنسي أمام القطعة الخزفية المذكورة أطال الوقوف و التأمل أمام التحفة التي أبهرته لدرجة أنه أغرق مضيفيه بالأسئلة حولها. و انـْـقـَضَت مدة زيارة الوزير الفرنسي إلى المغرب فعاد إلى بلده ليفاجأ، أسبوعا بعد عودته بمدير ديوانه يخبره بأنه تلقى علبة كبيرة من المغرب، بواسطة المحفظة الدبلوماسية. و لما فتحت كانت مفاجأته أكبر حين رأى القطعة الخزفية التي بعث بها الوزير المغربي كهدية لنظيره الفرنسي. يا لها من نباهة !

كان الرد قاسيا إذ أن المسؤول الفرنسي الذي امتعض كثيرا من تصرف مضيفه، أعاد بعث القطعة لا للوزير بل للملك مباشرة، بعدما نشر مقالا في إحدى كبريات جرائد بلاده، يفسر فيه بأن القطعة التي تـَصَرَّف فيها وزيرنا كأنها ملكا شخصيا له، هي في الحقيقة من التراث العالمي الذي هو مِلـْكٌ، لا للمغاربة فحسب، بل للبشرية جمعاء.    

و للتذكير فإن بعض القطع التي تطبعها السذاجة و التي يمكن أن تبدو لنا كأنها لا قيمة لها، قد تكون في عين إنسان أجنبي أو مغربي، بالخصوص إذا كان يمتهن فنا من الفنون، تحفة يصعب تقييمها.

 

القيمة المضافة

أحسن طريقة لبسط الفرق بين فرعي الصناعة التقليدية من حيث القيمة المضافة، هي طرح المقارنة بواسطة مثال تتم صياغته على شكل جدول إيضاحي يكون في متناول أكبر عدد من القراء .

 

 

الصناعة التقليدية الإنتاجية

الصناعة التقليدية الخدماتية

 المنتج أو الخدمة

صحن منقوش من النحاس

إصلاح ميكانيكي

 
مصاريف الكلفة

 

 

  • المادة الخام       20  درهم
  • الصقل             05     -
  • نقش               100   -
  • تنقية               05     -
  • تنقية               10     -

 

 

  • قيمة الخدمة    80   دراهم
  • كلفة كرائية      30    -
  • مصاريف مختلفة 10    -

 الكلفة الإجمالية

140    درهم

120    درهم

 ثمن المنتج أو الخدمة

500   درهم

150    درهم

 القيمة المضافة

360   درهما

30     درهم

 

 

نتمنى أن نكون قد تمكنا من إيصال مفهوم القيمة المضافة إلى القارئ و بالتالي مَكـَّنـَّاه من استنتاج أي من الفرعين أهم من حيث هذا المفهوم.

بعد هذه التوطئة، ستكون لنا مواعيد أخرى كثيرة لمتابعة دراسة و مناقشة هذا الموضوع الذي يبدو بسيطا لكنه في حقيقة الأمر وعر لما يحتمله من قابلية للتحريف و التزييف السياسويين.

 

محمد لعبادي

 

Rédigé par Laabadi's

Publié dans #ETUDES

Repost0
Pour être informé des derniers articles, inscrivez vous :
Commenter cet article